المستشار وليد عز الدين يكتب :الإطار القانوني للعملات الرقمية في مصر بين الحظر والتنظيم المنتظر
المستشار وليد عز الدين يكتب :الإطار القانوني للعملات الرقمية في مصر بين الحظر والتنظيم المنتظر
مقدمة
شهد العالم خلال السنوات الأخيرة طفرة هائلة في تداول العملات الرقمية مثل البيتكوين والإيثريوم وغيرها، لتتحول من مجرد أدوات تقنية إلى أصول استثمارية تُحرّك الأسواق وتستقطب رؤوس الأموال العالمية. ورغم هذا الانتشار الواسع، يظل الموقف القانوني المصري واضحًا وصريحًا: التعامل في العملات الرقمية المشفّرة محظور داخل مصر دون ترخيص من البنك المركزي.
ويهدف هذا المقال إلى توضيح الإطار القانوني الحاكم لهذا المجال، وبيان أسباب الحظر، والعقوبات، والمخاطر، وكذلك قراءة مستقبل التنظيم المتوقع.
⸻
أولًا: الموقف القانوني للبنك المركزي المصري
يُعد البنك المركزي هو الجهة المختصة بتنظيم السياسة النقدية، وقد تبنّى موقفًا صارمًا تجاه العملات المشفرة منذ عام 2018، ثم عزّزه بتشريع واضح في قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي رقم 194 لسنة 2020.
المادة 206 من القانون تنص على الآتي:
“يحظر إنشاء أو تشغيل منصات لإصدار أو تداول العملات المُشفّرة أو النقود الرقمية، أو الترويج لها، دون الحصول على ترخيص من البنك المركزي.”
وحتى تاريخ كتابة هذا المقال:
لم يصدر البنك المركزي أي ترخيص لأي جهة داخل مصر للعمل في تداول أو إصدار العملات الرقمية.
⸻
ثانيًا: العقوبات القانونية للتعامل أو الترويج دون ترخيص
وضع القانون عقوبات واضحة في المادة 225، تشمل:
• الحبس لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات،
• وغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تجاوز عشرة ملايين جنيه،
• أو إحدى هاتين العقوبتين.
وبذلك يُعد التعامل أو الترويج أو الوساطة أو إصدار العملات الرقمية دون تصريح جريمة مالية تُعرض صاحبها للمساءلة الجنائية المباشرة.
⸻
ثالثًا: ارتباط العملات الرقمية بجرائم تقنية المعلومات وغسل الأموال
وفقًا لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018:
• إنشاء صفحات أو منصات إلكترونية لتداول العملات الرقمية دون تصريح يدخل ضمن الجرائم المعلوماتية.
• كما يُمكن اعتبار التعامل بهذه العملات وسيلة محتملة لغسل الأموال أو تمويل الأنشطة غير المشروعة، نظرًا لصعوبة تتبع التحويلات وغياب الجهات الرقابية الرسمية.
أما قانون مكافحة غسل الأموال فيُخضع أي تعامل مالي مشبوه للفحص والتحقيق، وقد يترتب عليه تجميد أموال أو إحالة للنيابة.
⸻
رابعًا: هل تخضع أرباح العملات الرقمية للضرائب؟
على الرغم من عدم الاعتراف القانوني بتداول هذه العملات، إلا أن مصلحة الضرائب قد تعتبر أي عائد ناتج عن نشاط غير مرخص دخلًا خاضعًا للضريبة إذا أمكن إثباته، تمامًا مثل أي نشاط تجاري غير معتمد.
لكن عمليًا… يصعب إثبات ذلك لكون التداول يتم خارج المنظومة القانونية المصرية.
⸻
خامسًا: المخاطر القانونية والمالية للتعامل خارج الإطار الرسمي
التعامل في العملات الرقمية داخل مصر دون إطار قانوني يحمِل مجموعة من المخاطر، أبرزها:
• ضياع الأموال دون أي حماية قانونية.
• صعوبة مقاضاة المنصات الأجنبية أو غير المرخصة.
• إمكانية الاتهام بمخالفة قوانين البنك المركزي وجرائم تقنية المعلومات.
• التعرض لعمليات نصب واحتيال واسعة، وهي من أشهر الجرائم المرتبطة بهذا المجال.
⸻
سادسًا: هل تتجه مصر لتنظيم العملات الرقمية مستقبلًا؟
الاتجاه العالمي أصبح يميل إلى تنظيم العملات الرقمية بدلًا من حظرها، خاصةً مع دخول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والإمارات والسعودية في مراحل تشريعية واضحة لتنظيم الأصول الرقمية.
ومن المتوقع–وفقًا للتحولات الاقتصادية والرقمية–أن تتجه مصر مستقبلًا إلى:
• إعداد إطار تشريعي يسمح بالتعامل الخاضع للرقابة.
• إصدار تراخيص للشركات المؤهلة لتداول الأصول الرقمية.
• تطوير آليات رقابية لمنع غسل الأموال عبر البلوك تشين.
• وربما إطلاق عملة رقمية رسمية للبنك المركزي (Digital EGP) أسوةً بالدول الكبرى.
لكن حتى اللحظة…
يظل التعامل في العملات الرقمية داخل مصر محظورًا تمامًا دون ترخيص.
⸻
خاتمة
يمثل الإطار القانوني الحالي موقفًا حازمًا يهدف إلى حماية الاقتصاد القومي من مخاطر العملات المشفّرة غير المنظمة. ورغم وضوح الحظر، إلا أن المستقبل القريب قد يشهد منظومة تشريعية جديدة تُتيح التعامل المنظم والآمن داخل سوق رقمي واعد.
وحتى يصدر هذا التنظيم، يبقى الالتزام بالقانون واجبًا، وتظل تجارة العملات الرقمية خارج الإطار الرسمي مخاطرة قانونية ومالية جسيمة تستوجب الحذر والتوعية.