بوابة الفلوس
بوابة الفلوس تقدم رؤى اقتصادية معمقة وتحليلات مميزة تركز على أسس الاستثمار والبناء.

عبد العزيز سلام يكتب عن قراءة في الموقف الصيني من التصعيد الإيراني الإسرائيلي

بين الحياد الحذر والدبلوماسية النشطة

103

عبد العزيز سلام يكتب عن قراءة في الموقف الصيني من التصعيد الإيراني الإسرائيلي

فيما تتصاعد حدة التوترات العسكرية بين إسرائيل وإيران على خلفية سلسلة من الهجمات المتبادلة التي هزت منطقة الشرق الأوسط، برز الموقف الصيني – كعادته – بصيغة دبلوماسية محسوبة، تعكس ما بات يُعرف بـ”الدبلوماسية الصينية الصامتة” في أزمات الشرق الأوسط.
لكن خلف هذا الهدوء المعلن، تقف بكين عند مفترق طرق بالغ الحساسية، فهي تسعى للحفاظ على صورة القوة المسؤولة دون الانحياز، وفي الوقت نفسه تحمي مصالحها الاستراتيجية ومواطنيها في منطقة تغلي على صفيح من النار.

رد فعل رسمي حذر… لكنه فوري

التحرك الصيني الأول كان عمليًّا لا خطابياً: أصدرت السفارتان الصينيتان في تل أبيب وطهران تحذيرات أمنية عاجلة إلى رعاياها، طالبتهم فيها باتخاذ إجراءات وقائية، وسط توقعات بحدوث ضربات صاروخية أو هجمات بطائرات مسيّرة.

ورغم أن التحذيرات جاءت بلغة تقنية وهادئة، فإن توقيتها وحجمها يعكسان قلقًا عميقًا داخل أروقة القرار في بكين.

خطاب دبلوماسي موزون: لا إدانة… ولا تأييد

خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته وزارة الخارجية الصينية في بكين، أبدت المتحدثة الرسمية “قلقًا بالغًا” إزاء تطورات التصعيد، داعية “جميع الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس” و”منع خروج الوضع عن السيطرة”.
لكن اللافت، كما في مرات كثيرة سابقة، هو امتناع بكين عن تسمية أي طرف أو تحميله المسؤولية المباشرة. فالصيغة التي تبنتها تُجنّبها الاصطفاف، وتمنحها مرونة التحرك لاحقًا كوسيط.

هذا النمط من الخطاب ليس جديدًا، بل يمثل جزءًا من استراتيجية الصين الخارجية التي تفضّل “التوازن المحايد” بدل “الإدانة السياسية”. لكن في نزاع مثل الصراع الإسرائيلي–الإيراني، حيث تلتقي الحسابات العسكرية بالتحالفات الدولية، قد يبدو هذا التوازن محفوفًا بالتحديات.

ما وراء الكلمات: هل تمارس بكين ضغوطًا خلف الكواليس؟

رغم الطابع العلني الهادئ، تشير بعض المصادر الدبلوماسية في بكين إلى أن وزارة الخارجية الصينية كثفت اتصالاتها مع الجانبين الإيراني والإسرائيلي، في محاولة لتقريب وجهات النظر وتخفيف حدة الردود العسكرية.
وبينما لم تؤكد بكين رسميًا وجود وساطة، فإن سجلّها الأخير في المصالحة بين السعودية وإيران يمنحها وزنًا معنويًا يسمح لها بالتدخل ولو بشكل غير مباشر.

الصين تدرك أن أي تصعيد مفتوح في المنطقة لا يصب في صالح مشاريعها الاستراتيجية، خاصة تلك المرتبطة بمبادرة “الحزام والطريق”، والتي تمر عبر ممرات بحرية حيوية قد تتضرر بشدة من استمرار النزاع.

الموقف الصيني في ميزان السياسة الدولية

يتحرك الموقف الصيني في مساحة حرجة بين واشنطن وطهران وتل أبيب. فمن جهة، تحافظ بكين على علاقات متينة مع إيران، قوامها التعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والدفاع. ومن جهة أخرى، تسعى إلى عدم خسارة التنسيق الاقتصادي والتجاري مع إسرائيل، كما تبقي على حذرها من إثارة استياء الغرب، خصوصًا في ظل التوترات المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة.

من هذا المنطلق، لا تُقاس فاعلية الموقف الصيني بما يُقال في المؤتمرات الصحفية، بل بما يُنجز من تهدئة غير معلنة على الأرض. وإذا نجحت بكين في لعب دور الوسيط الصامت، فستكون قد عززت مرة أخرى مكانتها كقوة عالمية ذات نفوذ ناعم، تفضل “إطفاء الحرائق” لا إشعالها.

بكين لا تبحث عن الأضواء في صراعات الشرق الأوسط، لكنها تدرك جيدًا أن صمتها الفعّال أكثر تأثيرًا من صخب البيانات. رد فعلها إزاء التوتر الإسرائيلي–الإيراني لا يُختزل في عبارات “القلق” أو “الدعوة لضبط النفس”، بل هو ترجمة لمعادلة صينية دقيقة: حماية المصالح دون الانجرار، وتثبيت صورة الصين كقوة سلام وسط عواصف الجغرافيا السياسية.

وفي شرق أوسط يعاني من ضجيج البنادق، يبدو أن صوت الصين – وإن بدا خافتًا – يراهن على أن يكون صدى المستقبل.

بقلم: عبدالعزيز سلام

المذيع بالتليفزيون الصيني

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

Verification: b054b763f3cffb63